settat2.yoo7.com

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

احلى المنتديات تسجل وشوف


    الجزء الاول من الفصل التاني ل شيطان على الصليب

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 135
    تاريخ التسجيل : 04/07/2009

    الجزء الاول من الفصل التاني ل شيطان على الصليب Empty الجزء الاول من الفصل التاني ل شيطان على الصليب

    مُساهمة  Admin السبت نوفمبر 07, 2009 3:06 pm

    الفصــل الثاني
    (1)‏
    ظهر الشيطان "لجاكينتا وارينجا" في يوم أحد في مضمار"الجولف" ببلدة"إيلموروج" بمقاطعة"ايسيسيري" وقال لها - تريثي! إنني اشتق؟.. الحكاية. إن مشاكل وارينجا لم تبدأ في"إيلموروج". دعنا نقتفي آثار خطونا من جديد....‏
    [size=12]لقد جرَّ النحس وجرت المشاكل أذيالها وراء وارينجا قبل مغادرة"نيروبي" بزمن طويل، حيث كانت تعمل سكرتيرة(في الضرب على الآلة الكاتبة والاختزال) في مكاتب شركة البناء والإنشاء في شارع"توم مبويا" قرب بناء الأرشيف الوطني.‏
    [size=12]النحس والبلاء أسرع من أسرع الأرواح، والمشكلة تفرِّخ مشكلة أخرى. في صباح يوم الجمعة، فُصلت وارينجا عن عملها بسبب رفضها عرض رئيسها"بوس كيهارا"، المدير الإداري للشركة. وفي ذلك المساء هجرها حبيبها"جون كيموانا" بعد أن اتهمها بأنها خليلة"بوس كيهارا".‏
    [size=12]وفي صباح السبت زارها صاحب البيت الذي تسكن فيه، في حي"أوفافاجريشو" في"نيروبي" حيث كانت تستأجر غرفة(أهو منزل أم عش للطيور؟ فأرض الغرفة محفرة، والجدران متشققة والسقف تدلف ماء) قال صاحب البيت: إنه سيزيد الأجرة، رفضت وارينجا أن تدفع له أكثر. طلب منها أن تترك البيت فوراً. وفي تلك اللحظة، اعترضت على ذلك وقالت: إنهم يجب أن يرجعوا بالموضوع إلى محكمة الأجور. استقل صاحب المنزل سيارته من طراز"مرسيدس بنز" وساقها وانطلق.‏
    [size=12]وقبل أن ترمش وارينجا بعينيها، كان قد عاد مع ثلاثة سفاحين يرتدون النظارات الشمسية. وقف صاحب المنزل على مسافة قريبة من"وارينجا"، وذراعاه على خاصرتيه وهو يؤنبها ويوبخها: ها أحضرت لك محكمتك. أُلقيت أشياؤها خارج الغرفة، وأقفلت الغرفة بقفل جديد. ثم ألقى أحد زبانيته؟.. ورقة كتب عليها:‏
    [size=12]نحن ملائكة الشيطان: رجال أعمال خصوصيون‏
    [size=12]قومي بأوهى حركة لنقل هذه القضية للسلطات‏
    [size=12]ونحن سنصدر تذكرة فردية ننقلك بها إلى‏
    [size=12]ملكوت الله أو ملكوت الشيطان- تذكرة ذهاب فقط إلى الجنة أو إلى جهنم.‏
    [size=12]ثم استقل الجميع سيارة"المرسيدس بنز" وتواروا عن الأنظار.‏
    [size=12]حملقت وارينجا في الورقة لحظة، ثم دستها في حقيبة يدها.‏
    [size=12]جلست على صندوق وأمسكت رأسها بيديها متسائلة: لماذا دائماً أنا من بين عباد الله جميعاً؟ أي ربٍ شتمت تناولت مرآة صغيرة من حقيبتها وراحت تفحص وجهها بحيرة وذهول، وهي تقلِّب في ذهنها مشاكلها جميعاً. وجدت أنها مكمن الخطأ، فأخذت تلعن النهار الذي ولدت فيه؛ وسألت نفسها: ياوارينجا المسكينة، بمن ستلوذين الآن؟‏
    [size=12]عند هذا فقط قررت أن ترجع إلى ذويها. وقفت وجمعت أشياءها معاً، ثم كدستها في غرفة المدخل المجاورة التي تخص"مكامبا" وشرعت تضع الترتيبات من أجل الرحلة، ومرجل من المتاعب يغلي في ذهنها.‏
    [size=12]كانت"وارينجا" مقتنعة بأن مظهرها هو السبب الأساسي لكل مشاكلها. كانت في كل مرة تنظر إلى نفسها بالمرآة تعتقد أنها قبيحة جداً. أما ما كانت تمقته كثيراً فهو سوادها، ولذلك كانت تشوه جسدها بمبيضات البشرة من نوع"آمبي" و"سنو فابر" متناسية المقولة: إن من يولد أسود لن يصير أبيض بصورة من الصور. كان جسدها الآن مغطى ببقع فاتحة وداكنة مثل الدجاج الحبشي. كان شعرها مقصوفاً وقد تحول إلى لون فرو الجلد، لأنه سُرح بالأمشاط الحديدية الساخنة. وكانت من ناحية أخرى تكره أسنانها، فقد كانت ملطخة قليلاً؛ إذ لم تكن بيضاء كما كانت تتمنى. كانت في أكثر الأحيان تحاول إخفاءها، ونادراً ما كانت تضحك ملء شدقيها. وإذا ما ضحكت عن طريق الخطأ وتذكرت أسنانها فيما بعد، فإنها تلوذ بالصمت فجأة أو تغطي شفتيها بيدها.‏
    [size=12]كان الرجال يضايقونها عندما ينادونها"وارينجا"، أيتها المرأة الغاضبة، بسبب شفتيها اللتين كانتا دائماً مطبقتين.‏
    [size=12]أما عندما تكون"وارينجا" سعيدة وتنسى قلقها بالنسبة لتلاشي بياض أسنانها أو قلقها بالنسبة لسواد بشرتها، وتضحك من أعماق قلبها فقد كان ضحكها يستميل الناس تماماً. كان صوتها ناعماً كزيت العطر. وكانت عيناها تسطعان مثل النجوم في الليل. كان جسدها وليمة لأعين الناظرين. وفي أغلب الأحيان، عندما كانت تمشي في الطريق من دون وعي ذاتي، كان نهداها يتأرجحان طرباً مثل ثمرتين ناضجتين تتأرجحان مع الريح. فتوقف الرجال في مسيرهم.‏
    [size=12]لم تكن تستطيع تقييم روعة جسدها الحقة. كانت تتوق إلى تغيير ذاتها في سعي دائب وراء جمال الأخريات. وكانت غالباً ما تخفق في ارتداء ثياب تنسجم مع جسدها. كانت تندفع لتقليد الأخريات في طريقة لبسهن، وكانت الموضة هي التي تتحكم في اختيار ملابسها، بغض النظر عن ملاءمة ذلك للون بشرتها أو لشكل جسمها.‏
    [size=12]وكانت أحياناً تشوه قوامها وهي تحاول تقليد مشية فتاة أخرى. لقد نسيت القول المأثور: "تقليد الآخرين يفقد الضفدع كفليه".‏
    [size=12]لقد شكل الشك- الذاتي الملحاح والشفقة- الذاتية الساحقة العبء الذي تحمله"وارينجا" ذلك السبت. وهي تسير عبر شوارع"نيروبي" باتجاه أحد مواقف الحافلات للحاق"بالماتاتو" التي ستقلها إلى موطن ذويها في"إيلموروج".‏
    [size=12]وحتى بعد مضي أيام عدة، وبعد أن تغيرت حياتها على منوال لم تكن تحلم به مطلقاً، كانت وارينجا عاجزة عن أن تشرح بوضوح كيف رتبت أمر سيرها على طول"طريق النهر" وأن تجتاز شارع"رونالد نجالا"، بحيث تجد نفسها واقفة على طرف شارع"ريس كورس" أو مضمار السباق، بين كنيسة القديس"بطرس كليفرز" وبين محل ماكينات الخياطة عند موقف باص فندق"كاكا".‏
    [size=12]أقبل باص مدينة داخلي متسارعاً باتجاهها. أغمضت"وارينجا" عينيها. ارتعش جسدها. ابتلعت كتلة وطفق قلبها يدق كأنه يدق لإيقاع الصلاة: في أوقات الشدة، لا تنظر، يا أبتاه، إلى الطريق الآخر؛ لا تخف وجهك عني في وقت الدموع هذا.... الآن... تلقاني....‏
    [size=12]وفجأة سمعت"وارينجا صوتاً في رأسها: لماذا تحاولين قتل نفسك مرة ثانية؟ من أخبرك أن عملك على الأرض قد اكتمل؟ ومن أخبرك أن عمرك انتهى؟‏
    [size=12]فتحت"وارينجا" عينيها على عجل. جالت بطرفها ذات اليمين وذات الشمال. فلم تستطع أن ترى صاحب الصوت وشعرت الآن بالرعشات تتصاعد من أصابع قدميها إلى قمة رأسها وهي تستذكر ما كانت على وشك أن تفعله.‏
    [size=12]وسرعان ما أحست بالدوار. أخذت"نيروبي" بأهلها، ومبانيها، وأشجارها وسياراتها وشوارعها تدور كالدوامة أمام عينيها. انسدت أذناها. انقطع الضجيج كله عندما غطت المنطقة في صمت كبير. تراخت ساقاها عند الركبتين، وانحطت قوتها من المفصلين، فشعرت كأنها تفقد وعيها وتوازنها. ولكنها وهي على وشك السقوط، شعرت بشخص يمسك بها من ذراعها الأيمن لكي يساعدها.‏
    [size=12]كنت على وشك السقوط، قال لها الرجل الذي يمسك بها. تعالي واجلسي في ظل المبنى. ابتعدي عن الشمس.‏
    [size=12]لم تكن"وارينجا" بحال تسمح لها برفض أوامر محدثها أو حتى استطلاع شخصيته. تركت نفسها تساق إلى درج صالون لحلاقة الشعر. كان باب الصالون مغلقاً، جلست وارينجا على الدرجة الثانية. أمسكت رأسها بجمع يديها، بينما كانت أصابعها تلامس شحمتي أذنيها. اتكأت على الحائط خلفها. وعلى حين غرة هجرها آخر ما تبقى من قوتها، فزحفت إلى أعماق الظلمة. خيم الصمت، سمعت بعد ذلك أصواتاً صافرة، ثم أصواتاً غير صافرة: فقد بدت وكأنها أصوات تغني بعيداً، لحناً حمل صوت أغنية على متن الريح تقول:‏
    [size=12]إنني أندب جسدي الخاص‏
    [size=12]الجسد الذي أعطاني إياه الرب، صاحب القوة والقدرة‏
    [size=12]وأسأل نفسي: حين سيوارونني الثرى،‏
    [size=12]من الذي سيشاركني قبري...؟‏
    [size=12]ثم تحول الصوت فلم يعد أغنية، ولم تعد الكلمات مفهومة. لقد تحللت إلى تنافر في النغمات، إلى نبع من رغبة وزبد وضوضاء لا معنى لها.‏
    [size=12]راود وارينجا الآن ومن جديد كابوس ألفته منذ كانت تتردد على كنيسة"الحديقة المقدسة" وهي طالبة في ثانوية"ناكورو".‏
    [size=12]كان أول ما شاهدته هو الظلام، ظلام متناثر عن أحد الجوانب لكي يميط اللثام عن صليب، معلق في الهواء. ثم شاهدت جمهرة من الناس يلبسون الأسمال البالية ويسيرون في النور، يدفعون الشيطان نحو الصليب. كان الشيطان يرتدي بذلة من الحرير وكان يحمل عكازاً على شكل مظلة مطوية.‏
    [size=12]كان على رأسه سبعة قرون وسبعة أبواق لإطلاق ألحان شيطانية في الثناء والتمجيد. كان للشيطان زوج من الأفواه، واحد على جبينه، وآخر عند مؤخرة رأسه، كان بطنه متدلياً وكأنه على وشك أن يلد كافة شرور العالم.‏
    [size=12]كان جلده أحمر اللون وكأنه جلد خنزير. أخذ يرتجف قرب الصليب، وحوَّل عينيه نحو الظلام كأنهما كانتا تلفحان بالنور. أخذ ينوح وهو يتوسل للناس أن لا يصلبوه، مقسماً أنه وأتباعه سوف لا يبنون جهنم ثانية لأهل الكرة الأرضية.‏
    [size=12]غير أن الناس صاحوا بصوت واحد: إننا نعرف الآن أسرار كافة الأردية التي تخفي وتموه مكرك وخبثك. إنك ترتكب جريمتك ثم تلبس أثواب الشفقة، وتذهب لتمسح الدموع عن وجوه الأيتام والأرامل. إنك تسرق الطعام من خزائن الناس في منتصف الليل، ثم تزور الضحايا عند الفجر وأنت ترتدي أثواب المحبة والإحسان وتقدم لهم قرعة مليئة بالحبوب التي سرقتها. إنك تشجع الدعارة لمجرد إشباع شهواتك، وبعدها ترتدي أثواب الصلاح وتحض الناس على التوبة، وعلى اتباعك لكي تريهم دروب الصفاء والخلاص. إنك تستولي على ثروة الناس، ثم ترتدي أثواب الصداقة لتعلمهم المشاركة في ملاحقة الوغد الذي سلبهم ثروتهم.‏
    [size=12]في ذلك المكان وفي تلك اللحظة صلب الناس الشيطان على الصليب ثم ابتعدوا وهم ينشدون أغاني النصر.‏
    [size=12]وبعد ثلاثة أيام، جاء آخرون يرتدون البدلات وعقد الرقبة، ممن لم يبرحوا جدار الظلمة، وأنزلوا الشيطان عن الصليب. ركعوا أمامه وصلوا له بأصوات مرتفعة، يرجونه إعطاءهم قسماً من أثواب مكره. بدأت بطونهم تتورم، ووقفوا، ثم ساروا نحو"وارينجا" يضحكون عليها ويمسدون بطونهم الكبيرة، البطون التي ورثت الآن شرور هذا العالم كلها.....‏
    [size=12]أجفلت"وارينجا"، وحدقت إلى ما حولها، فأحست وكأن عقلها قد أخذ يعود إليها بعد أن غادرها في رحلة بعيدة. رأت أنها لم تزل في شارع"ريس كورس" وأنها لا تزال على موقف باص فندق"كاكا" قرب كنيسة القديس بطرس كليفرز"، وأن الأصوات التي كانت تسمعها ليست سوى هدير محركات سيارات. فسألت نفسها: كيف وصلت إلى هذا المكان؟ أية ريح حملتني إليه؟ إنني أتذكر ركوب الباص/78/ القادم من "أوفافا جيريشو". لقد مر عبر"القدس" و"باهاتي" وانعطف إلى شارع"جوجو"، مروراً بمحطة باصات مقاطعة ماكاكو.... و.. آه... نعم... وكنت أنا في طريقي إلى الجامعة، لأرى"جون كيموانا"، حبيبي، للمحة واحدة أخيرة، ونزلت من الباص عند موقف الباصات خارج مبنى الأرشيف الوطني، بالقرب من محلات تنظيف"الزهرة البيضاء". مشيت في شارع"توم مبويا" وعبر مسجد"كونجا". عبرت حدائق"جيفانجي" مروراً"بفندق الحديقة"، ووقفت عند منعطف شارعي"هاري ثوكو" و"الجامعة"، أمام مركز الشرطة العام. هل كان ذلك هو المكان الذي رجعت منه؟ إذ إنني عندما نظرت إلى مباني الجامعة، ولا سيما إلى مباني كلية الهندسة، تذكرت أحلام شبابي، حين كنت في المدرسة في إعدادية"باهاريتي" وثانوية"باكورو" وتذكرت كيف سحقت أحلامي وديست في الغبار من قبل العجوز الغني من"نجوريكا". حين اندمجت تلك الذكريات مع الأفكار المتعلقة"بجون كيموانا" الذي تركني الليلة الماضية أغوص حتى ركبتي في مستنقع المشاكل، شعرت فجأة أن دماغي وقلبي يحترقان ألماً، وتبدى لي أن غضبي يخنقني.... والآن، ماذا فعلت بعد ذلك؟ أين ذهبت؟ آه! يا إلهي. أين حقيبة يدي؟ أين تركتها؟ وأين سأجد أجرة السفر إلى"أيلموروج"؟‏
    [size=12]مرة ثانية، حدقت"وارينجا" إلى ما حولها. عندئذ فقط وقعت عيناها على عيني الرجل الذي أمسك بها من يدها اليمنى والذي جعلها تجلس على أدراج قاعة التدليك.‏
    [size=12]ها هي، ها هي حقيبة يدك، قال الرجل وهو يمد يده لكي يعطيها حقيبة سوداء مزينة على أحد جانبيها بقطعة من جلد حمار الوحش المدبوغ.‏
    [size=12]تناولت"وارينجا"، وهي لا تزال جالسة، حقيبة يدها منه. رمقته بنظرة سريعة متسائلة. كانت بنيته فتية، رغم أن وجهه كان ينم عن النضوج والكبر. وكان يعلو رأسه مقدار من الشعر الأسود الفاحم كما تعلو ذقنه لحية تشبه شعر جدي الماعز. كانت عيناه السوداوان تشرقان بنور حكمة ومعرفة ترى أشياء كثيرة مخبأة في مكان بعيد.... وكان يرتدي بنطالاً من"الجينز" الخاكي وسترة جلدية رمادية. كما كان يحمل تحت ذراعه حقيبة جلدية سوداء. وبعد ذلك شرح كيف حصل على حقيبة وارينجا.‏
    [size=12]أنت رميتها في"ريفر رود" بالقرب من"حجرة الشاي"، عند موقف سيارات"نيري" و"مورانغ" وأنا التقطها لك ولحقت بك. لقد كنت محظوظة جداً هذا اليوم- إذ كان من السهل تماماً أن تدهسي.‏
    [size=12]كنت تجتازين الشوارع وتتفادين السيارات المارة مثل رجل أعمى يدخن الأفيون وهو مشحون بالشجاعة الطائشة المتهورة. لقد لحقت بك بينما كنت تترنحين فوق الحاجز الحجري على طرف الطريق. أمسكت بك من يدك وأخذتك إلى مكان ظليل، ومنذ تلك اللحظة حتى الآن وأنا أقف إلى جانبك دون أي عمل أقوم به، أنتظر عودتك من البلاد التي نقلتك إليها تجارب القلب.‏
    [size=12]كيف عرفت أنني كنت بعيدة جداً؟ سألته"وارينجا"؟‏
    [size=12]من وجهك، ومن عينيك وشفتيك. أجاب الفتى الشاب.‏
    [size=12]إنني مرتاحة جداً لاستعادة حقيبة يدي. قالت"وارينجا". لم أكن أعرف أنني رميتها. ولا أملك حتى نصف"بنس" من النقود في جيبي.‏
    [size=12]قال لها الفتى: افتحي حقيبتك وتأكدي من أن أشيائك كلها موجودة فيها لاسيما النقود.‏
    [size=12]فقالت وكأنها ترثي لحالها لم يكن بداخلها مزيد من النقود.‏
    [size=12]على الرغم من ذلك، من الأفضل أن تتأكدي. ألا تعرفين أن اللص الذي يسرق خمسة وعشرين"سنتاً" يشنق عادة؟‏
    [size=12]فتحت"وارينجا" الحقيبة اليدوية، ونظرت بداخلها دون اكتراث ثم قالت: كل شيء في مكانه. سؤال كان يزعجها. هل هذا هو الرجل الذي تدخل صوته عندما كانت على وشك أن ترمي نفسها في الطريق؟ كيف سبر أغوار أفكارها؟ كيف عرف أن هذه ليست المرة الأولى التي حاولت قتل نفسها فيها؟ سألته: هل أنت هو الرجل الذي كلمني قبل أن أغيب عن وعيي تماماً؟‏
    [size=12]هز الفتى رأسه وقال: لقد وصلت وأنت على وشك السقوط. هل أنت مريضة؟‏
    [size=12]لا، أجابت"وارينجا" بسرعة. إنني متعبة فقط، جسداً وروحاً، من "نيروبي".‏
    [size=12]أنت على حق في تعبك، قال لها الفتى. إن"نيروبي" شاسعة واسعة، عديمة الحيوية وفاسدة عفنة. اقترب الشاب من"وارينجا" واستند على الحائط وتابع يقول: ولكن ليست"نيروبي" وحدها هي التي تبتلى على هذا النحو.‏
    [size=12]الشيء نفسه صحيح تماماً بالنسبة لجميع المدن في أي بلد تخلص حديثاً من نير الاستعمار. إن هذه البلدان تجد أن من العسير عليها دفع الفقر عنها لسبب بسيط هو أنها أخذت على عاتقها تعلم طريقة إدارة اقتصادياتها من الخبراء الأمريكيين. ولذلك تم تعليمهم مبدأ المصلحة الذاتية ونظامها، كما تعلموا بأن عليهم أن ينسوا الأغاني القديمة التي تمجِّد فكرة المصلحة المشتركة. لقد تعلموا أغاني جديدة وترانيم جديدة تمجد حيازة المال. ذلك هو السبب في أن نيروبي تعلم الآن:‏
    [size=12]الاعوجاج للمستقيمين‏
    [size=12]والخسة والوضاعة لأصحاب الكياسة واللطف‏
    [size=12]والكراهية للمحبين‏
    [size=12]والشر لأهل الخير.‏
    [size=12]كما تدعو أغنية- الرقص اليوم إلى:‏
    [size=12]إن من ينقر لا ينقر لسواه‏
    [size=12]إن من يقرص لا يقرص لغيره‏
    [size=12]إن من يرتحل لا يرتحل لسواه‏
    [size=12]فأين هو الباحث الذي يبحث لسواه؟‏
    [size=12]قلِّبي هذه المسائل في ذهنك، وسلي نفسك: ذلك النوع من الأغاني إلى أين سيودي بنا؟ أي نوع من القلوب يتربى فينا؟ هل هو النوع الذي يدفعنا للانقلاب على أعقابنا من الضحك عندما نراقب أطفالنا يحسمون الأمر في معركة مع الكلاب والقطط من أجل بقايا الطعام في سلال المهملات؟‏
    [size=12]العاقل يمكن أن يتعلم الحكمة أيضاً.‏
    [size=12]ولذلك دعيني أقول لك:‏
    [size=12]قال"جيكوكو": إن الكلام تمهيد للمحبة‏
    [size=12]وإن اليوم الحاضر هو كنز المستقبل‏
    [size=12]والغد حصاد ما نزرعه اليوم‏
    [size=12]ولذلك دعينا نقول لأنفسنا:‏
    [size=12]النواح والأنين، من تراه ربح منهما؟‏
    [size=12]غيِّروا البذور، لأن لايقطينة تحوي بذوراً من أكثر من نوع واحد!‏
    [size=12]غيروا الخطوة، فالأغنية لها أكثر من إيقاع واحد!‏
    [size=12]إن رقصة"مومبوكو" في هذه الأيام تتألف من خطوتين ودورة.‏
    [size=12]خلد الفتى فجأة إلى الصمت ولكن صوته وكلماته كانا يرنان في أذن وارينجا.‏
    [size=12]
    [size=12]لم تفهم وارينجا كل الأشياء التي ألمح لها الشاب بلغته الملغزة. ولكنها استطاعت أن تشعر من نقطة إلى أخرى أن كلماته تبلغ مستوى الأفكار التي راودتها في وقت من الأوقات. تنهدت وقالت: كانت كلماتك تخفي معاني شتى. غير أن ما تقوله صحيح تماماً. لقد تجاوزت هذه المشاكل حدود التحمل والصبر. من ذا الذي لا يرحب بالتغيير في سبيل الهروب منها؟‏
    [size=12]شعرت"وارينجا"، وهي تتحدث، بلسانها يرتخي. راحت تتكلم وكأنها ترفع حملاً ثقيلاً عن قلبها. تحدثت بصوت معتدل، ليس حاداً ولا مكتوماً، ليس لاهثاً ولا مثأثئاً، كان صوتاً، مشبعاً بالألم والأسى والدموع.‏
    [size=12](2)‏
    [size=12]"خذ فتاة مثلي"، قالت"وارينجا" وهي تمعن النظر ببقعة واحدة وكأنها تكلم نفسها. أو خذ أية فتاة أخرى في"نيروبي". دعنا نسميها"ماهواكاريندي". ثم دعنا نفترض أنها ولدت في قرية أو في قلب الريف. ولنفترض أن ثقافتها محدودة.‏
    [size=12]بل دعنا نفترض أنها حصلت على الشهادة الثانوية، وانتقلت إلى مدرسة عليا. دعنا حتى نفترض أن المدرسة مدرسة جيدة على غير شاكلة مدارس"هارامب" التي يدفع فيها الفقراء مبلغاً لا بأس به من المال، حتى ولو لم تفخر الصفوف بالمدرسين.‏
    [size=12]قبل أن تصل إلى الصف الثاني، تكون"كاريندي" قد حصلت عليه. إنها حامل، من هو المسؤول؟‏
    [size=12]لنقل إنه أحد الطلاب. وهذا الطالب لا يملك سنتاً واحداً باسمه.‏
    [size=12]كانت صداقتهما تتمثل في تبادل إعارة الروايات التي كتبها"جيمس هادني" و"تشارلس مانجوا" أو ديفيد مايلو. كما كانت صداقتهما تتمثل في ترديد بعض الأغنيات من تسجيلات"جيم ريفز" أو"د. ك" أو "لورنس ندولو". إلى أين تتوجهين الآن يا كاريندي؟‏
    [size=12]يمكننا من ناحية أخرى أن نتصور أن الرجل المسؤول عن الحمل هو متسكع من القرية وهذا المتسكع عاطل عن العمل. إنه لا يملك مكاناً يريح عليه رأسه.‏
    [size=12]لقد عزز علاقتهما عزف"الجيتار" ورقصات المساء في القرية. وكانت علاقتهما الغرامية تمارس في أكواخ مستعارة أو في بساتين مكشوفة بعد حلول الظلام. يا"كاريندي" الصغيرة، إلى أين ستتجهين؟ الطفل بحاجة لطعام وملابس.‏
    [size=12]ربما كان للمتسكع عمل في المدينة، غير أن راتبه لا يتعدى خمس شلينات في الشهر. لقد قوي حبهما وتعزز بأفلام"بروس لي" و"جيمس بوند"- بخمس دقائق في فندق رخيص أو في طريقهما إلى البيت بسيارة أجرة. من سيمسح دموع كاريندي الآن؟‏
    [size=12]ثم لنقل إن والد الصبي رجل غني. أليس ذلك النوع من العلاقات الغرامية هو السائد في هذه الأيام؟ الغني له زوجة. والمسألة هي مسألة علاقة في سيارة"مرسيدس بنز" يوم الأحد. كانت العلاقة الغرامية تدعم بمبالغ صغيرة من الأموال النقدية مما تلقته"كاريندي" كمصروف جيب قبل العودة إلى المدرسة. كما أنها تعزز بشراب قوي يرتشفانه في الفنادق على مسافة بعيدة عن القرية.‏
    [/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size]

      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء مايو 01, 2024 11:23 pm